حدوتة ٢٦
الأميرة قدرية حسين كامل
( مقال مترجم )
شجع السلطان حسين بناته على السفر إلى أوروبا، وعين المؤرخ والسكرتير أحمد زكي باشا(1867-1934) كمرشد فني لابنته الأميرة قدرية.
كان زواجها الأول عام 1919 من جلال الدين سري بك قصير الأمد، ثم كان زواجها الثاني عام 1921 من الصناعي والسياسي المؤثر محمود خيري باشا (1884-1957) في أميرجان، على شواطئ مضيق البوسفور في إسطنبول،
استقر الزوجان في طرابيا، إحدى ضواحي إسطنبول الثرية آنذاك، وسكنا قصر هوبر الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر (قد تبرعت الأميرة بقصرها لمدرسة مسيحية عند مغادرتها تركيا، ولكن تم مصادرته في عام 1985 وهو الآن في أيدي الرئاسة التركية).
كان محمود خيري باشا وقدرية حسين من المؤيدين لتركيا أثناء حرب الاستقلال، وتبرعا بمبالغ كبيرة من المال للمجهود الحربي ضد اليونان لشراء طائرة من إيطاليا (يقال أن الأميرة طلبت تسمية الطائرة باسمها) . وكانا من الأصدقاء المقربين لمصطفى كمال أتاتورك.
وفي العشرينيات من عمرها، وأثناء إقامتها في القاهرة، ساهمت الأميرة قدرية في مجلة "شهبال" التركية الراديكالية، التي نُشرت بين عامي 1909 و1914، وكتبت عن السياسة وحقوق المرأة، وترجمت العديد من الأعمال الأدبية من اللغات الأوروبية إلى التركية. ومن المنشورات الأخرى التي ساهمت فيها الأميرة قدرية كتاب "رسملي كيتاب" (الكتاب المصوَّر)، الذي نُشر بين عامي 1908 و1913؛ ومجلة "محراب"، وهي مجلة فلسفية استمرت في النشر لمدة 15 عامًا قبل أن تتوقف في عام 1925؛ والمجلة الشهرية النسائية "ليجيبتيان" التي صدرت بين عامي 1925 و1940؛ والمجلة الأدبية الفرنسية التي نُشرت بين عامي 1938 و1961، "لا ريفيو دو كاير".
نشرت الأميرة قدرية العديد من الكتب ، بما في ذلك مجلدين موسعين عن نساء بارزات في التاريخ الإسلامي، صدرا باللغة العربية عام 1924، بالإضافة إلى مجموعة أفكار بعنوان السراب عام 1919. وكانت تكتب مقالاتها تحت اسم مستعار هو "نيلوفر"
كما كانت تدعم حرب الاستقلال في مقابلتها خاصة في كتابها "محاسن الحياة".
ومن خلال فنها ودراستها، كانت قدرية حسين، جسرًا مهمًا بين تركيا والعالم العربي، حيث ساهمت في الوسط الفني والثقافي والفكري في بلدها الأصلي مصر ؛ وخلال السنوات التي عاشتها في إسطنبول، تركت انطباعًا عميقًا على المؤسسة السياسية والثقافية في البلاد، لدرجة أن أتاتورك نفسه كلف في عام 1922 بترجمة كتابها Lettres d’Angora la Sainte إلى اللغة التركية، والذي زُين برسومات غنية للرسام الإيطالي المولود في إزمير فيتوريو بيسانو. وعلى الرغم من أن مصر شهدت ظهور عدد من المثقفات البارزات خلال الفترة الجمهورية، بما في ذلك مي زيادة (1886-1941) وهدى شعراوي (1879-1947)، إلا أن القليل منهن تمكن من تحقيق الشهرة في بلدان متعددة في وقت واحد، والكتابة بلغات مختلفة. لقد اختفى إلى الأبد العالم الكوزموبوليتاني للمجتمع العثماني المتأخر الذي اختفى مع نساء مثل قدرية حسين، وفي حالتها، وللأسف، اختفى أيضًا التسلسل الزمني لإنتاجها الفني، على الرغم من إرثها الأدبي الضخم.
هكذا كانت قدرية حسين أميرة ورسامة وكاتبة ومترجمة ومدافعة عن حقوق المرأة. ومع ذلك، لا يزال إرثها غير موثق إلى حد كبير، ويستحق مزيدًا من البحث.
عادت إلى مصر عام 1930 عندما أمر الملك فؤاد عمها أفراد العائلة المالكة المقيمين في الخارج بالعودة إلى مصر.
كانت الأميرة قدرية وزوجها محمود خيري باشا من محبي الفن وجامعي الآثار الإسلامية المشهورين. وتُظهر صورة من طبعة عام 1946 من مجلة المصور الملتقطة في مقر إقامة خيري باشا الصيفي في طناش بالقرب من القاهرة، غرفة معيشة مزينة بلوحات، بما في ذلك واحدة من لوحاتها، وتحف من العصر الإسلامي، بما في ذلك السيوف والمزهريات والأسلحة والكتب التي جمعوها، (وفقًا للمجلة)، أثناء سفرها هي وزوجها عبر أوروبا والولايات المتحدة.
بالطبع صادر مجلس قيادة الثورة القصر والتحف الفنية، بعد حل النظام الملكي، وبيعت المقتنيات في مزاد علني. ولا يُعرف الكثير عن محتوى ومكان أعمال الأميرة قدرية الفنية اليوم، ويذكر المؤرخ المصري الراحل محمد جوادي أنها رسمت مناظر طبيعية لمصر وتركيا وفرنسا بأسلوب واقعي كلاسيكي، كما أنتجت عددًا من المنحوتات.
في مايو ١٩٦١ عرضت لوحة بريشة الأميرة قدرية في معرض فني في مصر في جمعية خريجي كلية الفنون الجميلة ، بعد ست سنوات من وفاتها. وقد حصلت مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة مؤخرًا على نفس اللوحة . وتصور اللوحة الصغيرة شخصية أنثوية مسنة ترتدي الأبيض، ومزينة بكفن أخضر كبير مزخرف، وغطاء رأس مصنوع بإتقان. الجزء السفلي من وجهها مقنع، بينما توجد الأنماط المطرزة على عباءتها وغطاء رأسها بالرموز الروحية والحلي.
ومن الأعمال الأخرى التي اقتنتها مؤسسة بارجيل للفنون مؤخراً لوحة بلا عنوان لرجل ملتح. ويبدو الرجل متهالكاً ومتعباً، بينما أسنانه الأمامية مفقودة، وجبهته مجعدة. ويبدو الرجل وكأنه يعيش حياة صعبة، تتسم بالعمل اليدوي والكفاح من أجل البقاء. وهناك لوحة للأميرة قد ظهرت في عدد مجلة المصور لعام ١٩٤٦ ، والذي يصور امرأة بالحجم الطبيعي تقريباً مرتدية ثوباً وتاجاً متقنين، وهي جالسة على كرسي في ديكور داخلي فاخر.
في عام 1916 كتب الشاعر نجيب متري (1865-1928)، مؤسس دار المعارف للنشر، أن الأميرة قدرية "فتاة لا يتشتت انتباهها بالهيبة العالمية والثروة المادية عن ثروة الفكر وقوة التفكير". لا يزال إرثها غير مكتمل في غياب جرد كامل للوحاتها ومنحوتاتها، لتتماشى مع ممتلكاتها الأدبية الضخمة، ولكن من المحتمل تمامًا أنه مع فضول العلماء ودعم المؤسسات، ستظهر المزيد من التفاصيل حول حياتها اللامعة ومسيرتها المهنية الغزيرة من الأرشيفات التاريخية والمجموعات الخاصة في المستقبل، لاستكمال صورة حياة عاشتها في لحظة من المخاطرة الكبيرة.
The Markaz review- Sultan Sooud al Qassemi- https://themarkaz.org/
#حواديت_إيمان
لطلب كتاب سلطانة وثلاث ملكات:
https://alrewaqpublishing.com/product/%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB-%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA/
0 اكتب تعليقك قبل ما تمشي:
إرسال تعليق